الاثنين، ٢٥ فبراير ٢٠٠٨

ثقافة جديدة


منذ وعينا على الدنيا ونحن نعيش المساواة التامة بين المسلم والمسيحي في مصر ، كنا نلعب سويًا عندما كنا صغارًا ، وما زالت تربطنا علاقات جيدة بجيراننا المسيحيين ، هكذا تربينا لأن الشعب المصري متسامح بفطرته، وأيضًا لأن الدين الإسلامي يدعو إلى مراعاة حقوق أهل الذمة ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ‏" أَلَا ‏مَنْ ظَلَمَ ‏ ‏مُعَاهِدًا ‏أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا ‏حَجِيجُهُ ‏‏يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رواه أبو داود ، وهكذا يعلمنا الدين الإسلامي أن ظلم المسلم لغير المسلمين معادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وهذه التعاليم لم تكن مجرد إكليشهات أو لافتات إعلانية ككلام زعماء اليوم ، بل كانت دستور حياة المسلمين جيلاً بعد جيل إلى عهد قريب ، والتاريخ شاهد على ذلك ، فعدل عمر بن الخطاب معهم حتى أمر بهدم مسجد عمرو بن العاص – أول مسجد بني في إفريقيا – لأنه بناه على أرض امرأة يهودية ، لكن العدل الإسلامي في معاملة الآخرين أبى إلا أن يهدم المسجد ما دامت المرأة تطالب بحقها ، حتى أن المرأة دهشت من عدل المسلمين فآمنت بدينهم ، وهذا ما يثبته التاريخ أن جموع المصريين الأقباط دخلت في دين العرب الفاتحين تحت تأثير الإعجاب من أخلاق المسلمين الأوائل الذي كان عدلهم مضرب المثل في التاريخ ، وليس نبأ هروب أسقف الكنيسة المصرية إلى الصحراء من ظلم الرومان المسيحيين وفرضهم مذهبهم على أقباط مصر بالقوة بنبأ خافً إلا على من لم يقرأ تاريخه ، ولولا دخول عمرو بن العاص إلى مصر وإعادته الأسقف الهارب وإزالة ظلم الرومان عن الأقباط لما كان هناك وجود للديانة القبطية الأرثوذكسية إلى يوم الناس هذا ، ولكن الفتح العربي هو الذي أنقذهم من الإبادة الجماعية فدخول العرب إلى مصر لم يكن احتلالا لها بل كان تحريرا لها من أيدي الدولة الرومانية المستعبدة لشعوب الأرض آنذاك ، ولو كان أهل مصر قد اعتبروه احتلالا لكانوا قاوموه ولم يكن يستطيع عمرو بعدة آلاف أن يهزم شعب مصر كله في تلك الفترة التاريخية البسيطة .
لكن أقباط المهجر لا يقرءون تاريخهم ، أو ربما أنستهم الدولارات لغتهم العربية ، فظنوا أن أجدادهم كانوا يُعاملون معاملة الهنود الحمر في أستراليا ، فقاموا يطالبون الرئيس مبارك باعتذار علني في مجلس الشعب عن " الإبادة والقتل الجماعي " في حق الأقباط منذ الفتح العربي كما فعل رئيس وزراء استراليا في حق الهنود الحمر ، متجاهلين أن التاريخ لم يسجل حادثة واحدة لقتل جماعي للأقباط ، بل متجاهلين أبسط اللوازم المنطقية لأقوالهم ، فلو أن إبادة جماعية مورست عليهم لمدة 1500 عام كما يزعمون لما كان لهم اليوم وجود بيننا ، لقد سيطر المسلمون سيطرة مطلقة على حركة التاريخ لأكثر من ألف سنة لم ينازعهم فيها أحد سلطانهم حتى امتدت رقعة الإسلام لأكثر أرجاء المعمورة المعروفة في ذلك الزمن ، ولو شنوا حملة إبادة جماعية على غير المسلمين في الأراضي التي فتحوها لاختلفت الخريطة السكانية للأرض اليوم ، الحقيقة إن أشهر إبادة جماعية في التاريخ هي إبادة مورست ضد المسلمين ، وفي بضع عشرات من السنين اختفى الشعب المسلم في الأندلس تمامًا وأجبر على التنصر أو احترق في نيران محاكم التفتيش .
والخطورة في مثل هذه التصريحات أنها تؤسس لاحتقان طائفي دخيل على المصريين ، وهذا ما تنبه إليه كثير من الأقباط العقلاء مثل أندوراس حنا المنسق العام لحركة "مواطنون ضد الإساءة لمصر" الذي طالب باعتذار أقباط المهجر لمصر عن نشر ما نشروه ، واعتبر أنهم يطالبون بحرق مصر وإفساد العلاقات الإسلامية المسيحية .
ولكن ينبغي أن نتنبه إلى أن المهاجرين من مصر يحتاجون للترويج لهذه الأكاذيب من الاضطهاد وسوء المعاملة ليجدوا مبررًا يحصلون به على الإقامة والجنسية ، ولا ننسى أن بعض الشباب اضطروا للادعاء على أنفسهم أنهم " شاذون " جنسيًا وأن الدولة تضطهدهم بسبب الشذوذ الجنسي لذلك يطالبون باللجوء لدول الدولار أواليورو .
المشكلة الحقيقية ليست في عدم المساواة بين المسلمين والمسيحين ، المشكلة الحقيقية عدم المساواة بين الفقراء والأغنياء ، فحزب الأغنياء – وهم ينتمون للديانتين – يأبون أن يتساووا مع أغلبية الشعب البائسة أمام القانون .
وإذا استمرت الأوضاع الفاسدة لمدة أطول فستنتشر بيننا دعاوى عدم المساواة ، وربما الأسوء وهو أن تنتشر بيننا " ثقافة الشذوذ " .