الثلاثاء، ١٩ فبراير ٢٠٠٨

شحنة غضب


- ما حدود شحنة الغضب التي من الممكن أن تملأ المواطن العادي إذا قرأ خبر الضحيتين الشقيقين المحكوم عليهما بالمؤبد في قضية قتل رجل حي ؟ والقتيل الحي يعترف أن الشرطة هي التي طلبت منه الاختفاء إلى أن تنتهي القضية ، وهددوه إن أظهر نفسه ، وهددوا امرأة أحد الضحيتين بصعق رضيعها بالكهرباء ، وتدمرت أسرتهما تدميرًا حتى أن أمهما وأباهما ماتا حزنا وكمدًا على مصيرهما وأصيبت جدتهما بالعمى ، كل هذا والقتيل حي ، ووكيل النيابة – أي والله وكيل النيابة والعهدة على " المصري اليوم " – قال للمرأة : " يا فاطمة المية مش بتطلع في العالي واسكتي علشان تعرفي تربي عيالك " ما هو تأثير مثل هذا الخبر على المواطن العادي ؟ قد يرى البعض أنه يؤدي إلى الإحباط ، ولكني أراه يؤدي إلى الغليان ، فبالأمس قامت مظاهرة حاشدة في الغربية تطالب برغيف خبز في متناول الفقراء ، ومثل هذه المظاهرة لم تكن لتحدث أبدًا من الشعب المصري الصبور إلى أبعد الحدود ، ولكن شحنات الغضب التي تلسع جسده ليل نهار تجعل الحجر ينطق ، والذي يزيد هذه الشحنات الخطيرة هو الصمت المطبق إزاء مثل هذه الأخبار ، فمثل هذه الأخبار تغدو حديث الناس على المقاهي وفي الأتوبيسات وفي العمل ، فتذهب إلى العمل ، فتكون أول جملة يقابلك بها زملاؤك : " سمعت موضوع القتيل الحي " وتتوالي التعقيبات التي غالبًا ما تنتهي بهذه الجملة " بلد غير نظيفة " ورغم أن الداخلية وعدت بإجراء تحقيق إلا أن الجميع سيجزم – مقدمًا – أن مصير التحقيق هو نفس مصير القضية نفسها ، ففي حادثة مشابهة سابقة أدينت ممثلة غير مشهورة بمقتل زوجها واعترفت بالجريمة وحكم عليها بالمؤبد ثم تبين أنها بريئة بعد القبض على الجناة الحقيقيين الذين اعترفوا ، ورغم مرور نحو ثلاث سنوات على الواقعة إلا أننا لن نسمع أبدًا ولن نسمع أن الذين أجبروها على الاعتراف بارتكاب الجريمة تمت معاقبتهم أو محاسبتهم أو حتى توجيه لوم بسيط لهم ، هذه الأخبار تشحن الناس بالغضب وغياب أخبار المحاسبة تبقي على أجيج الشحنات الغاضبة ، وهذا ليس في مصلحة الوطن حكومة وشعبًا ، أما تعارضه مع مصلحة الحكومة فواضح ، أما تعارضه مع مصلحة الشعب فذلك لأن الفوضى التي قد تحدث من انفجار مشاعر الغاضبين لن تؤدي إلى تغيير حال البلد إلا إلى أسوأ ، فليس هناك فوضى خلاقة أبدًا .
وحتى لا أترككم مع تلك الشحنة من الغضب اسمحوا لي أن أنقل لكم نكتة من نبض الشارع المصري : " وصل " الباشا " إلى مقر عمله – لا تسألني أين – فلم يجد نظارته في جيبه ، فاتصل بسكرتيره وطلب منه البحث عنها ، وبعد ربع ساعة وجدها في درج مكتبه فاتصل بالسكرتير وطلب منه أن يوقف البحث عنها ، فقال السكرتير : " كيف يا باشا ، نحن عندنا حتى الآن ثلاثة معترفين بأنهم هم الذين سرقوها " .