الخميس، ١٤ فبراير ٢٠٠٨

الاحتلال الوطني

- عندما كنا صغارًا ، كنا نفكر كما يفكر الصغار ، وكنا نلعب الكرة كما يلعبها الصغار ، وكان لعب كرة القدم رهنًا بإرادة " صاحب الكرة " وهو دائمًا ما يكون فتى لا يحسن يلعبها ، ولكنه هو الذي يختار الفريق الذي يلعب معه ، ويختار الفريق الذي يلعب ضده ، وهو الصبي الوحيد الذي يملك حق الاعتراض على الحكم ، ويحتسب الفاولات على الخصوم بالقوة ، ويلغي أهدافهم ويحتسبها تسلل ، ولم يكن أحد يستطيع الاعتراض عليه وإلا فإنه سيأخذ " الكرة " ويرحل ويحرم الجميع من اللعب ، وكان الرد الجاهز على كل اعتراض : " مزاجي " .
تدفقت هذه الذكريات إلى رأسي وأنا أتابع أخبار جلسة مجلس الشعب لمناقشة استجواب وزارة الداخلية بشأن أخطائها في الحج ، والقاصي والداني يعرف أن الحجاج المصريين لاقوا في حجهم هذا من العنت والمشقة ما لم يلاقيه أجدادهم منذ أيام الحج على ظهور الدواب ، حتى استحقوا شفقة جميع الجنسيات عليهم ، وهذه ليست مشكلة ، فهي تحصل في أحسن الدول ، ولكن الذي لم يحدث أبدا أن يقوم برلمان ديمقراطي محترم بإيقاف نائب انتخبه الشعب لأنه مارس واجبه الرقابي وطالب بمحاسبة المسؤولين أو تقديم ما يثبت براءتهم ، لقد قرر أعضاء الحزب الوطني الإنفراد بالمجلس وطرد من يعارضهم في سابقة لم تكن لتحدث في عصور الشمولية والسيطرة البوليسية على كل صغيرة وكبيرة في البلاد ، حتى أن فتحي سرور لم يجد سابقة تاريخية لهذا إلا أيام الملكية والاحتلال البريطاني ، والأسوء أنه لم يجده إلا مع زعيم وطني أجمع المصريون – مسلمون وأقباط - على وطنيته وهو الزعيم الوفدي مكرم عبيد ، فهنيئًا للزعيم الجديد النائب سعد عبود أن تكون له الأسوة بهذا الزعيم الكبير ، حتى أن نواب المعارضة والمستقلين رددوا هتافات " سعد سعد يحيا سعد " ولكن الطريف أن فتحي سرور مارس اللعبة السياسية على طريقة " صاحب الكرة " حين أعلنها صريحة تحت قبة البرلمان " أنا مفتري يا سيدي أنا رئيس مجلس مفتري " أما ما كنت أخشاه أن يأخذ " مصر " ويرحل ويحرم الجميع من اللعب .