الأربعاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٧

فضائيات الحجارة


فضائيات الحجارة ليست لها علاقة بأطفال الحجارة البواسل ، بل هي حجارة من نوع رديء ، حجارة من جبس صبها حزب الحكومة أو حكومة الحزب للمسئولين عن الفضائيات المصرية وأمروهم أن يعيشوا فيها .

مساكين هم المسئولون عن البرامج الحوارية في القنوات الفضائية المصرية الرسمية ، ما زالوا يعيشون في عصر ما قبل الفضائيات والإنترنت ، يتخيلون أن الناس ما زالوا يعتمدون عليهم كمصدر للمعلومات والحقائق ، فتراهم لا يستحون أن يناقشوا أي قضية حوارية باستضافة طرف واحد ووحيد فقط من أطراف الحوار . فتجد المذيع لا يخجل من إدارة حوار يكون هو وضيوفه جميعًا ممثلين لوجهة نظر الحكومة فقط في المناقشة ، والأكثر نذالة من ذلك أن يناقشوا آراء مفكرين غير موجودين معهم لا في الاستديو ولا عبر الهاتف ناسبين إليهم ما يشاءون أن ينسبوه لهم ، آمنين من أن يعقب عليهم معقب .

ومع تسليمنا أن البرامج الحوارية في الفضائيات الرسمية لا تهدف أصلاً لإظهار الحقيقة ، بل تهدف لتفريغ شحنة الكبت الشعبي لدى عامة الشعب الغاضبين ، وتجميل الحياة السياسية المصرية بشيء من مكياج الديمقراطية وحرية الرأي والرأي . ( لم أنس كلمة الآخر في آخر الجملة السابقة )

ولكنهم مع ذلك يفشلون فشلاً فاضحًا في تحقيق هذا الهدف البسيط – تفريغ الكبت – بل يفلحون في إزكاء نار هذا الكبت لدى الجمهور ، لأن المتلقي لا يقبل أبدًا الاستهانة بعقله ، ربما في عصر ما قبل المعلوماتية كان المتلقي المسكين لا يملك من الوسائل ما يتيح له الاطلاع على قنوات إعلامية أخرى غير ما يطفحه على مائدة الحكومة ، أما الآن فالوضع مختلف ، بل مختلف لدرجة قاتلة ، ففي أفقر الأحياء الشعبية المصرية ستجد أكثر البيوت مشتركين في خدمة الفضائيات الطائرة ! أي خدمة إعادة توزيع الفضائيات مرة أخرى عن طريق كبلات طائرة من شرفة لشرفة عبر الشوارع ، ونفس الشيء تقريبًا – ولكن بنسبة أقل – مع إعادة توزيع خدمة الـ DSL هذا غير المشتركين بالأصالة عن أنفسهم في الأحياء الراقية .

لذلك فسياسة استغفال الجمهور إعلاميًا أصبحت قصة من العصر الحجري ، وسياسة حجب نصف الحقيقة وتقديم الوجه الواحد للعملة أصبحت إجراءً ينتمي إلى عصر ما قبل اختراع الكتابة .

تنشغل الدنيا كلها بمتابعة أخبار أكياس الدم الفاسدة وتنشغل فضائياتنا الرسمية بقضية ملاحقة فتاة لفنان كوميدي ، ولن أحاول أن أضرب أمثلة أخرى غير هذا المثل الوحيد لأني أعلم أن الناس مش ناقصة من هم .



كيف نرتقي بالفضائيات المصرية ؟ لدي بضع حلول عملية من مثل :

1- يمكن أن نلم تبرعات من جمهور المشاهدين ونشتري لكل مسئول في الفضائيات المصرية طبقًا ورسيفر حتى يمكنه الاطلاع على القنوات المنافسة التي مسحت بقنواتنا الأرض رايح جاي ، وجعلت مسألة الريادة المصرية الإعلامية كلاما أكل الدهر عليه وشرب وبال و…. . ( دخل قناة الجزيرة من الإعلانات أعلى من دخل جميع القنوات الفضائية المصرية مجتمعة حتى قبل إلغاء معظمها )

2- إذا فشلت الخطوة السايقة لأن المسئولين غالبًا لديهم بالفعل أطباق وصواني ولكنهم مشغولون بمتابعة القنوات الأوربية والتركية ، فيمكن أن نجمع تبرعات لعمل جائزة كبيرة للمسئول الذي يستطيع أن يستخرج عيوبًا في القنوات المنافسة ، وبذلك سيشاهدونها لاصطياد العيوب ونكون ضحكنا عليهم واخرجناهم من قوالب الجبس التي ينامون فيها .

3- إذا فشلت الفكرة السابقة لأن الجمهور سيرفض أصلاً أن يتبرع بتعريفة وهو يعرف انها ستذهب لجيب مسئول ؛ فيمكن أن نتبع الأسلوب الذي يتبعه أكثر الذين أعرفهم من المصريين هنا ، ولكن ما هو هذا الأسلوب ؟

ببساطة اجعل الفضائية المصرية آخر قناة في الريموت ، وبذلك لن تصل إليها أبدًا عند استعراض القنوات ، أما إذا جاءتك صدفة فاقلب على الجزيرة !!!

الأحد، ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٧

تحديد النسل والدجل الإعلامي

ليس مهمًا أن يكون كلامك منطقيًا ، وليس مهمًا أن يكون كلامك واقعيًا ، وليس شرطًا أن يكون خاضعًا لأبسط مقومات العقل ومسلماته ، فكل المهم أن يكون لديك بوقًا إعلاميًا تبث فيه ما تشاء ، وليس مهمًا أن يصدقك الناس أو يكذبونك ، بل المهم كل الأهمية أن تظل تردد وتردد ما تبثه على الناس حتى تصدق أنت نفسك .

أعتقد أن العبارة السابقة هي شعار الإعلام الرسمي ، إنهم – وليسمح لي أستاذنا فهمي هويدي أن أستعير عبارته - يحضرون العفاريت ثم يطالبوننا أن نصرفها ، فلا يكتفون بأن يتسببوا – بسوء إدارتهم لهذا البلد المسكين عشرات السنين – في كل “المشاكل الخطيرة جدًا ” بل يحاولون أن يلصقوا التهمة بالشعب المسكين ، وعلى رأي القائل ” أأكلهم منين ؟ ” .

دأبت وسائل الإعلام الرسمية تعليق كل مشاكلنا على شماعة الزيادة السكانية ، وكان مصر قد خلت من الفساد الذي يأكل الأخضر واليابس ، ورغم أن العالم قد تجاوز تلك النظرية البالية إلا أنهم مصرون على إحيائها من قبرها التاريخي وبعثها حية في بلادنا المتخلفة .

ومن كثرة تكرار تلك النظرية ” الزيادة السكانية تبتلع أي تنمية إقتصادية ” صارت مُسَلَّمةً بديهية وصدقها أكثر الناس . ولكن لم أكن أتخيل أن مثقفًا في حجم الروائي الكبير مجيد طوبيا تخيل عليه مثل هذه الأكاذيب حتى يرددها مع المرددين ، فيقول في أهرام اليوم 2/2/2007 ” ومشكلة كثرة الإنجاب خطيرة جدا‏,‏ وتنذر بمتاعب لاحت بوادرها منذ فترة ” لو أن هذه العبارة صدرت من مذيع في القناة الثالثة لما اهتممت بالتوقف عندها ، ولكن مجيد طوبيا اسم له ثقله .

أول من دعا بشكل علني لتحديد النسل للحد من الزيادة السكانية هو توماس روبرت مالتوس (1766-1834) ، واقترح لذلك التعقيم وتخفيض عدد المواليد لأقصى حد ممكن لتجنب كارثة بشرية حتمية طبقًا لنظريته ، ومالتوس هو راهب إنجليزي تلقى تعليمه في كلية اليسوع بكمبريدج عام 1784م وعين زميلاً فيها عام 1793م ثم عين أستاذا في التاريخ والاقتصاد السياسي بكلية غير علمية تابعة لشركة الهند الشرقية ، وكانت مهمته تعليم موظفي الشركة ، وغني عن الذكر استحضار التاريخ الأسود لتلك الشركة الاستعمارية التي لم تكن شركة بالمعنى المفهوم بقدر ما كانت الذراع الطويل للاستعمار الإنجليزي في أسوء عصور إهدار الكرامة البشرية للمستعمرين ؛ ولكن تلك قصة أخرى ……

آمن مالتوس أن النمو السكاني يتضاعف طبقًا لمتوالية هندسية ، بمعنى أن تضرب عدد السكان في 2 كل 25 عامًا وسيكون شكل التزايد على هذا النحو : 1-2-4-8-16-32… أي أنه سيكون 32 ضعفًا بعد 150 سنة مثلاً (كان عدد سكان وقتها حوالي مليارًا واحد وهو الآن بعد حوالي مائتي عام حوالي الستة مليارات )
كما آمن مالتوس أن معدل زيادة الإنتاج يتضاعف بمتوالية حسابية ؛ أي هكذا : 1-2-3-4-5-6… مما يعني أنه سيصل لستة أضعاف فقط في نفس المدة ، ولم يتوقع مالتوس التقدم العلمي الهائل الذي سيحدث بعد ذلك وسيجعل الإنتاج يتضاعف بصورة غير متخيلة في عصره .

ولم يكن مالتوس أول من ربط بين التزايد السكاني والفقر ، بل سبقته إرهاصات مثل آدم مورد الذي اقترح حرمان الفقراء من المسكن لإيقاف عملية تزايدهم ، ولكن مالتوس هو أول من جعل تحديد النسل هو الحل الأمثل لحل هذه المشكلة .

اعتمد مالتوس في بناء نظريته على أن الموارد الاقتصادية محدودة ولا يمكن زيادتها ، فمساحة الأرض الصالحة للزراعة لا يمكن زيادتها بنفس معدل الزيادة السكانية مما سيؤدي لحدوث مجاعة محققة على مستوى الكرة الأرضية ، وسيأخذ الإنتاج في التناقص نتيجة زيادة عنصر واحد من عناصر الإنتاج ( القوى البشرية ) مع ثبات باقي العناصر الأخرى .

بدت نظرية مالتوس في وقتها – عام 1798م – مقنعة طبقًا لما كانت عليه علوم ذلك العصر ؛ أي منذ أكثر من 200 عام ، ولكنها مع ذلك وجدت من يعارضها مثل (ميشيل توماس سادلر) الذي نشر مؤلفاً من مجلدين تحت عنوان (قانون السكان)، كرّس ثلثه لمعارضة نظرية مالتوس، وذهب إلى أن زيادة عدد السكان هي التي تخلق زيادة في الإنتاج.

كانت نظرية مالتوس كارثة على البشرية لا تقل عن النازية ، فقد كانت سببا في خوف الاثرياء في العالم الغربي من شبح تناسل الفقراء بمعدلات أعلى من معدلات التناسل للأغنياء الذين افترضوا فيهم أنهم أكثر ذكاءً ، ومن هنا خرج داروون بنظريته في التطور ، وشكلت كلا النظريتين ( المالتوسية والدارونية ) إطارًا نظريًا لتبرير تفوق الرجل الأبيض وحقه في إبادة سائر الأجناس البشرية المتخلفة التي تقف عائقًا أمام انتشار الحضارة والرفاهية .

واستمرت سياسة تعقيم الشعوب والأقليات العرقية غير المرغوب فيها في الغرب حتى إلى عصر قريب ، فنجد العالم الألماني بول ايرلك الحائز جائزة نوبل يحث عام ۱۹۶۸ الحكومات على تقليص برامج (الحد من الوفيات) وذلك في مؤلفه (القنبلة السكانية) ، ببساطة اتركوا الناس يموتون للقضاء على الزيادة السكانية ، وتلك هي المالتوسية الجديدة التي ترى الزيادة السكانية ليست نابعة من كثرة المواليد بل من قلة الوفيات ، حتى أن نيكسون خفض المزايا الصحية وحول أموالها لبرامج تحديد النسل للسيطرة على الزيادة السكانية .

والأخطر من ذلك إجبار السود والهنود الحمر على التعقيم القسري الذي أخذ شكلاً اختياريًا ظاهريًا لكنه كان تحت سوط الفقر أو الجهل ففي سبعينيات القرن العشرين اكتشفت طبيبة هندية في سجلات المستشفى الذي تعمل به في أوكلاهوما عددًا كبيرًا من نساء الهنود الحمر اللاتي أجبرن على عمليات التعقيم تحت ضغط الابتزاز لفقرهن وجهلهن ، واستغلال حاجتهن للعلاج في التوقيع على الموافقة على أن يصبحن عاقرات .

ويعترف القاضي الفيدرالي جيرهارد جيل في عام ۱۹۷۴ في قضية ضحايا التعقيم القسري الفقراء : (على مدى السنوات القليلة الماضية قامت الدولة والهيئات والوكالات الفيدرالية بتعقيم ما بين مائة الى مائة وخمسين ألف شخص سنويا من متدني الدخل الفقراء).

ولا ينبغي أن نغفل أيضًا جرائم السوفييت في هذا الشأن فقد أبادوا بدورهم ملايين البشر ( من 12 إلى 15 مليونًا ) تحت عجلة التقدم الصناعي والتنمية .

تلك – إذن – هي نظرية مالتوس التي راح يرددها علينا مجيد طوبيا غافلاً عن تاريخها المشين والتي لخصها – بوعي أو بغير وعي – في قوله ” الانفجار الإنجابي يتزايد بمعدلات أضعاف أضعاف الإنتاج ” ، ولكن : أين هي هذه النظرية اليوم ؟ أو بعبارة أخرى : ما محلها من الإعراب في خارطة العالم اليوم ؟

العجيب أنه في الوقت الذي سقطت فيه هذه النظرية في الغرب سقوطًا مروعًا تحت وطأة التقدم العلمي الذي لم يتوقعه مالتوس ، والذي أدى – في الغرب – إلى أن تصبح الزيادة السكانية نفسها اسثمارًا في حد ذاته ، فكلما زاد عدد السكان كلما كان أجدى وأنفع للتنوع الاقتصادي وللتطور الحضاري وتنويعًا في العقول المبتكرة وتوفيرًا للأيدي العاملة – الصين تكاد تلتهم الاقتصاد العالمي بما يتوفر لها من أيدٍ عاملة – وانتهت نظرية مالتوس بأن لفظها الاقتصاديون الغربيون ووضعوها في مكانها الصحيح على رف النظريات التاريخية فباتت من أطلال النظريات المتبقية في بطن كتب التاريخ . والعجيب أن هذا السقوط أكد نظرية ابن خلدون الذي يعد أول من صاغ نظرية سكانية في مقدمته وكشف العلاقة الطردية بين الموارد الاقتصادية وعدد السكان .

أقول العجيب أنها في حين سقطت في الغرب ونفضوا أيديهم منها ، إلا أنها ما زالت تجد من يروج لها في بلاد الشرق التي يحكمها المتخلفون ويرعى إعلامها الرسمي الخاضعون أو المنتفعون .

إلا أن أشد ما أعجبني في مقال مجيد طوبيا خاتمته ” الذكية ” التي يلمح فيها لما يعجز عن أن يصرح به حيث يقول : ” ومع تضاعف الأغبياء سيصبح وجودهم وكأنه الأمر الطبيعي‏,‏ فماذا يكون الحال عندما يكبرون ويديرون البلاد؟‏!”